فصل: البلاغة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.البلاغة:

1- التمثيل: في قوله تعالى: {ضرب الله مثلا...} الآية.
حيث مثّل الله عز وجل حال الكفار- في أنهم يعاقبون على كفرهم وعداوتهم للمؤمنين، معاقبة مثلهم، من غير إبقاء ولا محاباة، ولا ينفعهم مع عداوتهم لهم ما كان بينهم وبينهم من لحمة نسب أو وصلة صهر، لأن عداوتهم له وكفرهم بالله ورسوله قطع العلائق وبت الوصل، وجعلهم أبعد من الأجانب وأبعد، وإن كان المؤمن الذي يتصل به الكافر نبيا من أنبياء الله- بحال امرأة نوح وامرأة لوط، لما نافقتا وخانتا الرسولين، لم يغن الرسولان عنهما بحق ما بينهما وبينهما من وصلة الزواج إغناء ما من عذاب الله.
2- التعريض: في قوله تعالى: {ضرب الله مثلا} الآية في ضرب هذين التمثيلين تعريض بأمي المؤمنين، المذكورتين في أول السورة وما فرط منهما من التظاهر على رسول الله صلى الله عليه وسلم بما كرهه، وتحذير لهما على أغلظ وجه وأشده، لما في التمثيل من ذكر الكفر وإشارة إلى أن من حقهما أن تكونا في الإخلاص والكمال فيه كمثل هاتين المؤمنتين، وأن لا تتكلا على أنهما زوجا رسول الله، والتعريض بحفصة أرجح، لأن امرأة لوط أفشت عليه كما أفشت حفصة على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

.الفوائد:

طهارة عرض الأنبياء:
ضرب الله مثلا في هذه الآية بأن الفاسد العاصي الكافر، لا ينفعه صلاح غيره لو كان نبيا، فامرأة نوح واسمها واعلة، وقيل: والعة، وامرأة لوط واسمها واهلة وقيل:
والهة، كانتا زوجتين لعبدين صالحين نبيين، وهما نوح ولوط عليهما الصلاة والسلام {فخانتاهما}. قال ابن عباس رضي الله عنهما: ما بغت امرأة نبي قط، وإنما كانت خيانتهما أنهما كانتا على غير دينهما، وكانت امرأة نوح تقول للناس: إنه مجنون، وإذا آمن به أحد أخبرت الجبابرة من قومها. وأما امرأة لوط، فإنها كانت تدل قومها على أضيافه، إذا نزل به ضيف بالليل أوقدت النار، وإذا نزل به ضيف في النهار دخنت لتعلم قومها بذلك. لذا أجمع العلماء على طهارة عرض الأنبياء، وقالوا: بأن زوجة النبي إذا أصرت على الكفر هذا لا يقدح في شرفه وعصمته، أما إذا زنت فهذا لا يتفق مع عصمة الأنبياء وطهارتهم، فعرضهم مصون من الزنا، فلا يقع ذلك في نسائهم أبدا. اهـ.

.قال محيي الدين الدرويش:

(66) سورة التحريم مدنيّة وآياتها اثنتا عشرة.
بِسْمِ الله الرّحْمنِ الرّحِيمِ

.[سورة التحريم: الآيات 1- 5]

{يا أيُّها النّبِيُّ لِم تُحرِّمُ ما أحلّ الله لك تبْتغِي مرْضات أزْواجِك والله غفُورٌ رحِيمٌ (1) قدْ فرض الله لكُمْ تحِلّة أيْمانِكُمْ والله موْلاكُمْ وهُو الْعلِيمُ الْحكِيمُ (2) وإِذْ أسرّ النّبِيُّ إِلى بعْضِ أزْواجِهِ حديثا فلمّا نبّأتْ بِهِ وأظْهرهُ الله عليْهِ عرّف بعْضهُ وأعْرض عنْ بعْضٍ فلمّا نبّأها بِهِ قالتْ منْ أنْبأك هذا قال نبّأنِي الْعلِيمُ الْخبِيرُ (3) إِنْ تتُوبا إِلى الله فقدْ صغتْ قُلُوبُكُما وإِنْ تظاهرا عليْهِ فإِنّ الله هُو موْلاهُ وجِبْرِيلُ وصالِحُ الْمُؤْمِنِين والْملائِكةُ بعْد ذلِك ظهِيرٌ (4) عسى ربُّهُ إِنْ طلّقكُنّ أنْ يُبْدِلهُ أزْواجا خيْرا مِنْكُنّ مُسْلِماتٍ مُؤْمِناتٍ قانِتاتٍ تائِباتٍ عابِداتٍ سائِحاتٍ ثيِّباتٍ وأبْكارا (5)}

.اللغة:

{تحِلّة} مصدر لحلل مضعفا نحو تكرمة وهذان ليسا بمقيسين فإن قياس مصدر التفعيل إذا كان صحيحا غير مهموز فأما المعتل اللام نحو زكّى والمهموز اللام نحو نبأ فمصدرهما تزكية وتنبئة على أنه قد جاء التفعيل كاملا في المعتل نحو:
باتت تنزي دلوها تنزيا ** كما تنزي شهلة صبيا

وأصله تحللة كتكرمة فأدغمت.
{تظاهرا} بإدغام التاء الثانية في الأصل في الظاء وفي قراءة بدونها أي تتعاونا.
{قانِتاتٍ} مطيعات.
{ثيِّباتٍ} جمع ثيّب من ثاب يثوب أي رجع كأنها ثابت بعد زوال عذرتها وأصلها ثيوب كسيد وميت أصلهما سيود وميوت فأعلّا الإعلال الذي يأتي في باب الفوائد.

.الإعراب:

{يا أيُّها النّبِيُّ لِم تُحرِّمُ ما أحلّ الله لك تبْتغِي مرْضات أزْواجِك والله غفُورٌ رحِيمٌ} {يا أيها النبي} تقدّم إعرابها كثيرا، و{لم}: اللام حرف جر وما اسم استفهام في محل جر باللام وقد تقدم أن ما الاستفهامية إذا دخل عليها حرف جر حذف ألفها، والجار والمجرور متعلقان بـ: {تحرم} و{ما} مفعول به وجملة {أحلّ الله} صلة و{لك} متعلقان بـ: {أحلّ} وجملة {تبتغي} حالية من فاعل {تحرم} و{مرضاة أزواجك} مفعول به {والله} مبتدأ و{غفور} خبر و{رحيم} خبر ثان.
{قدْ فرض الله لكُمْ تحِلّة أيْمانِكُمْ} {قد} حرف تحقيق و{فرض الله} فعل وفاعل و{لكم} متعلقان بفرض و{تحلّة} مفعول به و{أيمانكم} مضاف إليه أي شرع الله لكم تحليل أيمانكم بما هو مبسوط في كتب التشريع.
{والله موْلاكُمْ وهُو الْعلِيمُ الْحكِيمُ} الواو عاطفة و{الله} مبتدأ و{مولاكم} خبر {وهو} مبتدأ و{العليم} خبر أول و{الحكيم} خبر ثان.
{وإِذْ أسرّ النّبِيُّ إِلى بعْضِ أزْواجِهِ حديثا} الواو استئنافية و{إذ} مفعول به لفعل محذوف أي اذكر وجملة {أسرّ النبي} في محل جر بإضافة الظرف إليها و{حديثا} مفعول به.
{فلمّا نبّأتْ بِهِ وأظْهرهُ الله عليْهِ عرّف بعْضهُ وأعْرض عنْ بعْضٍ} الفاء عاطفة ولما ظرف بمعنى حين أو رابطة متضمنة معنى الشرط وجملة {نبأت} في محل جر بإضافة الظرف إليها والأصل في أنبأ ونبأ وأخبر وخبّر وحدّث أن تتعدى إلى واحد بأنفسها وإلى ثان بحرف الجر ويجوز حذفه فتقول نبأت به المفعول الأول محذوف أي غيرها و{من أنبأك هذا} أي بهذا {قال نبّأني} أي نبأني به أو نبأنيه فإذا ضمنت معنى أعلم تعدّت إلى ثلاثة مفاعيل نحو قوله:
نبئت زرعة والسفاهة كاسمها ** يهدي إليّ غرائب الأشعار

وقد تعدى {نبأت} في الآية لاثنين حذف أولهما والثاني مجرور بالباء أي نبأت به غيرها، {وأظهره}: الواو حرف عطف وأظهره أي أطلعه فعل ومفعول به و{الله} فاعل و{عليه} متعلقان بأظهره وجملة {عرف} لا محل لها لأنها جواب شرط غير جازم و{بعضه} مفعول به {وأعرض} عطف على {عرف} و{عن بعض} متعلقان بـ: {أعرض} ومفعول {عرف} الثاني محذوف أي عرفها بعض ما فعلت وفي قراءة {عرف} بالتخفيف أي جازى بالعتب واللوم كما تقول لمن يؤذيك لأعرفنّ لك ذلك أي لأجازينّك.
{فلمّا نبّأها بِهِ قالتْ منْ أنْبأك هذا قال نبّأنِي الْعلِيمُ الْخبِيرُ} الفاء حرف عطف ولما ظرفية حينية أو رابطة متضمنة معنى الشرط على كل حال و{نبأها} فعل وفاعل مستتر ومفعول به وجملة {قالت} لا محل لها و{من} اسم استفهام في محل رفع مبتدأ وجملة {أنبأك} خبر والكاف مفعول أول و{هذا} مفعول ثان و{قال} فعل ماض وجملة {نبأني العليم الخبير} مقول القول و{العليم} فاعل {نبأني} و{الخبير} صفة.
{إِنْ تتُوبا إِلى الله فقدْ صغتْ قُلُوبُكُما} {إن} شرطية و{تتوبا} فعل الشرط وعلامة جزمه حذف النون والألف فاعل و{إلى الله} متعلقان بـ: {تتوبا} وجواب الشرط محذوف تقديره يتب عليكما والفاء تعليلية وقد حرف تحقيق و{صغت} أي مالت فعل ماض مبني على الفتح المقدّر على الألف المحذوفة لالتقاء الساكنين والتاء تاء التأنيث الساكنة و{قلوبكما} فاعل {صغت}.
{وإِنْ تظاهرا عليْهِ فإِنّ الله هُو موْلاهُ وجِبْرِيلُ وصالِحُ الْمُؤْمِنِين} الواو عاطفة و{إن} شرطية و{تظاهرا} فعل الشرط وعلامة جزمه حذف النون والألف فاعل وعليه متعلقان بـ: {تظاهرا} وجواب الشرط محذوف تقديره يجد ناصرا والفاء تعليلية وإن واسمها و{هو} ضمير فصل و{مولاه} خبران والوقف هنا، و{جبريل} مبتدأ {وصالح المؤمنين} عطف على {جبريل} و{صالح} اسم جنس لا جمع ولذلك جاء من غير واو بعد الحاء وجوّزوا أن يكون جمعا بالواو والنون وحذفت النون للإضافة وكتبت دون واو اعتبارا بلفظ لأن الواو ساقطة لالتقاء الساكنين ولا داعي لهذا التكلّف، ويجوز أن تعطف {جبريل وصالح المؤمنين} على محل إن واسمها فالخبر عن الجميع {مولاه} وعلى الابتداء يكون الخبر قوله: {ظهير} لأن فعيلا يستوي فيه الواحد والجمع كما تقدم.
{والْملائِكةُ بعْد ذلِك ظهِيرٌ} لك أن تعطف {الملائكة} على ما تقدم أو تعربها مبتدأ خبره {ظهير}، وقد مرّت الإشارة إلى ذلك.
{عسى ربُّهُ إِنْ طلّقكُنّ أنْ يُبْدِلهُ أزْواجا خيْرا مِنْكُنّ} {عسى} فعل ماض من أفعال الرجاء و{ربه} اسمها و{إن} شرطية و{طلقكنّ} فعل ماض وفاعل مستتر ومفعول به في محل جزم فعل الشرط و{أن} حرف مصدري ونصب و{يبدله} بالتخفيف وقرئ بالتشديد فعل مضارع منصوب بأن وأن و ما في حيّزها خبر {عسى} والهاء مفعول به أول وجواب الشرط محذوف دلّ عليه ما قبله أي {فعسى}، و{أزواجا} مفعول به ثان و{خيرا} صفة و{منكنّ} متعلقان بـ: {خيرا} وفصل بين عسى وخبرها بالشرط اهتماما بالأمر وتخويفا لهنّ.
{مُسْلِماتٍ مُؤْمِناتٍ قانِتاتٍ تائِباتٍ عابِداتٍ سائِحاتٍ ثيِّباتٍ وأبْكارا} {مسلمات} نعت لـ: {أزواجا} ثان ويجوز أن يعرب حالا ونصبه بعضهم على الاختصاص وهو جميل وما بعده صفات متعددة، ووسطت الواو بين {ثيّبات} و{أبكارا} لتنافي الوصفين فيه دون سائر الصفات وليست هي واو الثمانية كما توهم بعضهم وقد مرّ بحث ذلك مفصلا.

.البلاغة:

أتى بالجمع في قوله: {قلوبكما} وساغ ذلك لإضافته إلى مثنى وهو ضميراهما والجمع في مثل هذا أكثر استعمالا من المثنى والتثنية دون الجمع كما قال:
فتخالسا نفسيهما بنوافذ ** كنوافذ العبط التي لا ترفع

وهذا كان القياس وذلك أن يعبّر عن المثنى بالمثنى ولكن كرهوا اجتماع تثنيتين فعدلوا إلى الجمع لأن التثنية جمع في المعنى والإفراد لا يجوز عند البصريين إلا في الشعر كقوله:
حمامة بطن الواديين ترنمي ** سقاك من العز الفوادي مطيرها

يريد بطني.

.الفوائد:

لم يجعل الرسول من هيبة النبوّة سدّا رادعا بينه وبين نسائه بل أنساهنّ برفقه وإيناسه، أنهنّ يخاطبن رسول الله في بعض الأحايين، فكانت منهنّ من تقول له أمام أبيها: تكلم ولا تقل إلا حقا، ومن تراجعه أو تغاضبه سحابة نهارها، ومن تبلغ الاجتراء عليه ما يسمع به رجل كعمر بن الخطاب في شدّته فيعجب له ويهمّ بأن يبطش بابنته حفصة لأنها تجترئ كما تجترئ الزوجات الأخريات، والقصة التالية نموذج صحيح لهذه المعاملة السامية، قال معظم المفسرين ما خلاصته: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خلا بمارية في يوم عائشة وعلمت بذلك حفصة فقال «لها اكتمي وقد حرمت مارية على نفسي وأبشرك أن أبا بكر وعمر يملكان من بعدي أمر أمتي» فأخبرت به عائشة وكانتا متصادقتين، وقيل خلا بها في يوم حفصة فأرضاها بذلك واستكتمها فلم تكتم فطلّقها واعتزل نساءه ومكث تسعا وعشرين ليلة في بيت مارية، وروي أن عمر قال لها: لو كان في آل الخطاب خير لما طلّقك فنزل جبريل عليه السلام وقال: راجعها فإنها صوّامة قوّامة وإنها من نسائك في الجنة.
وروي أنه شرب عسلا في بيت زينب بنت جحش فتواطأت عائشة وحفصة فقالتا له: إنّا نشم منك ريح المغافير والمغافير جمع مغفور بالضم كعصفور أي صمغ حلوله رائحة كريهة ينضحه شجر يقال له العرفط بضم العين المهملة والفاء يكون بالحجاز له رائحة كرائحة الخمر وكان صلى الله عليه وسلم يكره أن يوجد منه الريح الكريه فحرّم العسل.
وقد تجرأ الزمخشري فأطلق في حق النبي صلى الله عليه وسلم ما لا يسوغ إطلاقه مما لا يسيغ نقله، وقد ردّ عليه ابن المنير ردّا صائبا وحلل هذا التحريم تحليلا لطيفا ونكتفي بنقله ضاربين صفحا عن بقية الأقوال المتعددة قال ابن المنير: ما أطلقه الزمخشري في حق النبي صلى الله عليه وسلم تقول وافتراء والنبي منه براء، وذلك أن تحريم ما أحلّ الله على وجهين:
اعتقاد ثبوت حكم التحريم فيه فهذا بمثابة اعتقاد حكم التحليل فيما حرّمه الله عزّ وجلّ وكلاهما محظور لا يصدر من المتّسمين بسمة الإيمان وإن صدر سلب المؤمن حكم الإيمان واسمه، الثاني الامتناع مما أحلّه الله عزّ وجلّ وحمل التحريم بمجرده صحيح لقوله: {وحرّمنا عليه المراضع من قبل} أي منعنا لا غير وقد يكون مؤكدا باليمين مع اعتقاد حلّه وهذا مباح صرف، وعلى القسم الثاني تحمل الآية والتفسير الصحيح يعضده فإن النبي صلى الله عليه وسلم حلف بالله لا أقرب مارية ولما نزلت الآية كفّر عن يمينه ويدلّ عليه: {قد فرض الله لكم تحلّة أيمانكم} وهذا المقدار مباح ليس في ارتكابه جناح وإنما قيل له لم تحرّم ما أحلّ الله لك رفقا به وشفقة عليه وتنويها لقدره ولمنصبه صلى الله عليه وسلم أن يراعي مرضاة أزواجه بما يشقّ عليه جريا على ما ألف من لطف الله تعالى بنبيّه ورفعه عن أن يخرج بسبب أحد من البشر الذين هم أتباعه ومن أجله خلقوا ليظهر الله كمال نبوّته بظهور نقصانهم عنه، والزمخشري لم يحمل التحريم على هذا الوجه لأنه جعله زله فيحمل على المحمل الأول ومعاذ الله وحاش لله وأن آحاد المؤمنين حاش أن يعتقد تحريم ما أحلّ الله فكيف لا يربأ بمنصب النبي عمّا يرتفع عنه منصب عامّة الأمة وما هذه من الزمخشري إلا جراءة على الله ورسوله وإطلاق القول من غير تحرير وإبراز الرأي الفاسد بلا تخمير.